الاثنين، يناير 26، 2009

الابتلاء و التمحيص



ان الابتلاء و التمحيص سنة من سنن الله فى كونه

لا تتبدل و لا تتغير

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا

يُفْتَنُونَ {2{ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَصَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3{

تعرض لها سائر الخلق و اولهم الرسل جميعهم و اتباعهم من بداية الخليقة

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {250}

و سيستمر الامر الى ان يرث الله الارض و من عليها
يقيننا ان النصر قادم لا محالة ايا كانت صورته طال الامد ام قصر
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُوفَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ {251} تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {252}
لكن قضيتنا حال الابتلاء و التمحيص اعمق من ذلك مع ملاحظة استمرارية التمحيص و الابتلاء بمختلف صورهما
ان قضيتنا الجهاد بمعناه العميق و الشامل و الممتد

مَن كَانَ يَرْجُولِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {}5 وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {{6 وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ {7}

جهاد النفس و هواها بداية و انتقالا الى كل انواع الجهاد الاخرى
يوم ان انتصر على نفسى و كل ما بها يوم ان اكون انا و هى طوعا لامر الله ظاهرا و باطنا باخلاص و استقامة و اتباع للنهج القويم
فان هذا السعى غايته ان ننصر الله على كل شئ فيكون النصر منه لنا على كل شئ


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ


و حين ياتى التمحيص و الابتلاء فاما ثبات على الحق و تحقق النصر
او استبدال من الله للمتقاعسين المتخاذلين

} هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ

فالحذر كل الحذر من الاستبدال لانه بكل بساطة يعنى الخسران المبين فى الدنيا و الاخرة .

و لما سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "أيها أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟"، كان من دقيق استنباطه وفهمه لكتاب الله عز وجل أن قال: "لا يمكن حتى يبتلى"، ولعله فهم ذلك من قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران: 141].


و عند الانتقال لمشهد ان تصورناه لشاب من هوله الولدان
يقول الحافظ بن كثير الدمشقي في كتابه الكبير (البداية والنهاية) عن أحداث سنة 492 هـ (1099م) ولما كان ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان من سنة 492هـ، أخذت الفرنج لعنهم الله بيت المقدس شرفه الله، ثم يتحدث المؤرخ الكبير عما فعلوه فيقول: "وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألف قتيل من المسلمينثم يقول: "وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق مستغيثين على الفرنج الى الخليفة والسلطان (الخليفة العباسي المستظهر بالله، والسلطان السلجوقي بركيارق بن ملكشاه)، وكان على رأس من وفد الى بغداد القاضي أبو سعد الهروي، فلما سمع الناس ببغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك وتباكوا، وقد نظم أبو سعد الهروي كلاما قرئ في الديوان وعلى المنابر، فارتفع بكاء الناس، وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج في البلاد ليحرضوا الملوك على الجهاد، فخرج ابن عقيل وغير واحد من أعيان الفقهاء فساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئا، فـإنا لله وإنا إليه راجعون"، ثم ذكر ابن كثير قصيدة قالها أبو المظفر الأبيوردي نذكر منها:


مـزجنا دمانا بالدمـوع السواجــم
فـلـم يبق منا عـرضـة لـلـمـراجــم
وشـر سـلاح المرء دمـع يريقـه
اذا الحرب شبت نارها بالصوارم
أرى أمتي لا يشرعون الى العـدا
رمـاحهـم والـدين واهـي الدعـائـم
ويجتنبون النار خوفا من الردى
ولا يحـسـبون العار ضـربة لازم

ثم الى مشهد اخر ينتقل بنا المؤرخ الكبير عن أحداث سنة 583هـ (1187م) التي حدثت فيها معركة حطين الخالدة فيقول: "وفي هذه السنة فتح بيت المقدس واستنقاذه من أيدي النصارى بعد أن استحوذوا عليه مدة ثنتين وتسعين سنة". وفي ذلك قال الحسن الجويني البغدادي قصيدة جاء فيها:

تسعـون عـاما بلاد الله تصــرخ
والإسلام أنصاره صم وعميان
**********
فالآن لبى صلاح الدين دعوتهم
بأمــر مــن هـو للمعـوان معــوان
و المتأمل فى المشهدين و الباحث المدقق فى خباياهما يرى ان الهزيمة كما النصر ليسا وليدا لحظة او مصادفة
فكما ان الهزيمة وليدة الوهن و التخاذل و الركون و الركود فى سائر الامر
فان النصر وليد ايمان و عناء و اجتهاد و مثابرة و صبر و تخطيط
ان رسولنا مع صحبه الكرام ظل يؤسس فيهم روح العقيدة و يملاء بها ارواحهم و كل خلية بهم فلما توالت عليهم بعد ذلك المحن تلو المحن وجدت منهم و فيهم ايمان قوى و قوة ايمان

وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {}146 وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {}147 فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {}148 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ {149}بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ { } 150سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ {}151 وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ{152}


شكرا لسعة صدوركم
نسألكم الدعاء

ليست هناك تعليقات: