الأربعاء، نوفمبر 25، 2009

حجت القلوب الى بيت ربها قبل ان تحج الابدان

لحظات ...و... ومضات... سكنات و حركات ....مشاهد و مواقف......
لنبدأ من مشهد النهاية

كلما مر موسم الحج و سمع التلبيات فاضت عيناه
و لهج اللسان بترديدها و القلب يصدق و يؤمن و يبث الهوى و الشوق
و لسان حاله يقول :
يارب ما اقعدنى عن تلبية النداء الا المرض فلك الحمد و الشكر على ما قضيت و قدرت
و يستمر بث الشوق بدموع العين تسبقها دموع القلب
و يسرح بفكره قليلا و يتذكر فما بقى له سوى الذكرايات انيسا و جليسا
يتذكر يوم ان ذهب الى زوجته فى محل عملها حيث هى مدرسة فى احدى المدارس
يتذكر كيف دخل عليها يزف البشرى و قد حملته السعادة عن الارض
يرتقى السلم فيلقاها فتلتقى اعينهما و ترى فى عينه الخير و السعادة
فبيادرها قائلا:حتحجى السنة دى ان شاء الله
و تعلو الدهشة محياها فهما مدرسين فى بداية حياتهما الزوجية
و قد منّ الله عليهما بتؤام من الاولاد و اللى جاى على قدر اللى رايح
قال لها : طلعت كشوف الاعارة و اختارونى للسعودية اللى قبلى و اللى بعدى راحو اليمن
و تذكر كيف انه تقاعس عن كتابة الطلب للاعارة هذا العام
و ان زوجته هى من قامت عنه بهذا الامر و بعد ان فعلت اخبرته
و اسرعا يعدان العدة للسفر و وصلا الى السعودية
و كان ميعاد وصولهما بوافق ميعاد موسم الحج
و التقى احد زملاءه المدرسين و كان من فلسطين و عرض عليه امر الحج معه فى سيارته
فاخبره انه ليس معه نقود الان فقال له تعال و من اول قبض قم بالسداد
و كان اول لقاء له ببيت الله
و ما احلى هذا اللقاء الذى تجمد فيه الاجساد من هول الخشوع
ما احلى هذا اللقاء الذى تعانق فيه القلوب و الاعين البيت قبل الاجساد
و يسكت اللسان و تتكلم العبرات تحشد المشاعر
و اتى الطواف و معه طفلاه و زوجته فلم يجد بدا من ان يحملهما و تتشبث زوجته فيه
و ما اصعب ان يحمل المرء طفلان جاوزا الرابعة و يمضى بهما وسط الجموع الحاشدة
و رق الناس لحاله و يعرض بعضهم المساعدة و لكن هيهات اللقاء ان تباعدت الاجساد
و يشير احدهما عليه ان تجلس الزوجة بالاطفال عند مكان ما ثم ينهى طوافه و يتبادلان
ما اسهل الحل و ايسره و لكنها رهبة المكان و هول الموقف
و تتوالى اركان الحج تباعا يقضيها بكل حب و شوق
و ياتى موسم الحج التالى و من فترة يرتب للامر و معه من المال ما يزيد عن حاجته
و لكن يشاء الله ان يمرض الزميل الذى كان سيرافقه فى سيارته فى رحله الحج
كان ان مرض الصديق قبل بداية موسم الحج بايام قليلة و لم يتمكن من ايجاد البديل
قدر الله و ما شاء فعل
و لطالما تذكر هذا الامر و ذكره لكل من اتاه زائرا و تطرق الحديث الى الحج
ان الامر بيد الله هو من يدعوك قد لا يكون معك من مؤنه الحج شئ
و لكنه يدعوك و يمدك من لدنه
و ياتى العام الثالت و ينوى الحج عن ابيه رحمة الله عليه و ييسر الله لامه الحج فى هذا العام و يلتقيها هناك
و فى عامه الرابع نوى الحج عن عمته رحمها الله
و ظن انه الفراق و يشاء الله ان يبتليه بضربة شمس شديدة بعد اتمام الهدى اوشكت الروح ان تفارق و لكن لم يحن الموعد بعد
كانت الخيمة المجاورة بها مصريون من الصعيد و هم بهذا الامر من ضربة الشمس و علاجها عليمون
و كتب الله له النجاة على ايدى هولاء الذين لم يلقهم فى حياته الا تلك المرة
سبحان من بيده الامر كله و اليه يرجع الامر كلع
و فارق البيت فى طواف الوداع و نفسه تحدثه هل تراه اللقاء الاخير
و بث النجوى الى الله الا يكون هذا اخر عهده بالبيت
و تمر الاعوام تلو الاعوام
و الشوق يزيد لهيبه و لكنها دوامة الحياة و ما بها من منغصات
و لا تاتى الرياح بما تشتهى السفن
..............
دخلت عليه زوجته ذات يوم تخبره ان احدى صديقاتها ذهبت الى العمرة
و انها تريد القيام بالعمرة هذا العام
و كان كمن وجد ضالته و سارعا باعداد الجوازات و قدما لدى احدى الشركات
و كان المتفق عليه ان يكون السفر فى النصف الثانى من شعبان
و يشاء الله ان تتاخر التاشيرات و يكون السفر فى اخر يومين من شعبان
و يدركا رمضان باذن الله تعالى
و كان السفر و استعد له و قلبه يسبقه بل ان قلبه هناك
هل ياترى منذ اول اذان بالحج ؟
ام تركه هناك فى اخر حجة؟
شاء الله ان يكون معه فى تلك الرحلة سيدة مسنة ضعف منها البصر و كاد ان يذهب
حجز لها ابنها الرحلة و تركها الى امور حياته و انصرف عنها
و لست ادرى اارسله الله اليها ام ارسلها اليه الله وحده اعلم
كان قد جاوز الستين بعامين و لكن كان له من الحيوية و النشاط ما شاء الله له
فى اول يوم اخبرته زوجته عن تلك السيدة وانه لما جلست اليها تسألها عن احوالها
اخبرتها اتها لم تستطع ان تؤدى ايا من مناسك العمرة لمرضها و لوحدتها فاسرع الى المسنة
و قام هو بمساعدتها طاف بها و سعى بها على كرسيها المتحرك
يا الله لك فى امرك و خلقك شؤن فلك الحمد و الشكر
و يضيع جواز سفرها و يسعى هو لاستخراج اوراق سفر لها
ويقضى عنها حوائجها ما استطاع الى ذلك سبيلا
لا يبتغى من ذلك الا رضا ربه
و اعتمر عن امه و ابيه و عمته
و امام الكعبة وقف هو و زوجته
تقول له ادعى على فلان فقد اذانا و اخذ منا اموالنا بالباطل
كان قد دخل مع فلان فى تجارة و ساءت الاحوال و لم يؤد له فلان حقه
و توجه الى القبلة و بداء الدعاء
و اذا بها تسمعه يقول اللهم اهدى فلان اللهم اهدى فلان و يدعو له بخير
كان يلازم المسجد ما استطاع
يقضى حوائجه و حوائج اهله و يعود مسرعا الى المسجد الحرام
روحه كانت معلقة بالبيت العتيق
و انقضت مناسك العمرة فى رمضان
و عمرة فى رمضان تعدل حجة
و كأن الله دبر و احكم تدبيره له
و ياتى الفراق مرة اخرى
و لابد من الفراق
و يطلب من الله ان يمن عليه بالعودة
و الله يقضى ما هو قاض
و بعد ان يعود ادراجه ببعض الوقت اذا بالمرض يهاجمه اشد هجوم
و كان سلاحه فى مواجهة مرضه الرضا و الصبر و الايمان
و يقعده المرض و تزداد ضراوة المرض و شراسته
و كلما قسى عليه الالم كان ذكر الله بلسمه و مسكن الامه
و كلما مر عليه موسم الحج
عاودته الذكرايات و اللحظات
و المشاهد و السكنات و الحركات
و بريق الامل الذى ما برح جنبات الجسد الذى اوهنه المرض
و لكن ما زاد المرض الروح الا قوة و عزما
ويردد مع المرددين لبيك اللهم لبيك
لبيك لا شريك لك لبيك
ان الحمد و النعمة لك و الملك
لا شريك لك لبيك
و يتخلل الترديد عبرات ساخنه تخط على وجهه
و ينحبس الصوت و يتحشرج بالدعاء و اليكاء
و ما زال قلبه هناك متعلق باستار البيت يدعو ربه
و يلجاء اليه و تردد كل نبضة و دقة منه
لبيك اللهم لبيك لبيك
لا شريك لك لبيك
ان الحمد و النعمة لك و الملك
لا شريك لك لبيك

هناك تعليق واحد:

ahmed_k يقول...

إنها دعوه فمن صابته الدعوه فعليه التلبيه وتيسير الله عجيب في هذا الأمر
نسأل الله أن يرزقنا حج بيته المحرم وزيارة القبر الشريف
وكل سنه وأنت طيب أخي باسم
وأعاد الله عليكم العيد بكل الخير والصحه والسعاده